أكتب
هذا الموضوع و أنا في حالة ممزوجة بالغضب و الحزن و الإحباط من الحال الذي
وصل إليه العرب في خُلقِهم و من جهلٍ و استهتار و عدم مسؤولية وجريهم
اللاهث خلف الدنيا .
وربما ما حدث في مباراة الجزائر و مصر الأخيرة يوم الأربعاء في مدينتي ,
من اشتباكات بين الطرفين و حرقٍ للأعلام و أهانات و شتائم سوقية , و
اشتباكاتٍ مع الشرطة امتدت للحي المجاور و استمرت إلى قرابة الساعة 2
صباحاً , كانت هي السبب الأساسي لكي أكتب هذا الموضوع , من ضمن جملة أمورٍ
أُخرى لم يعد المرء يطيق رؤيتها
ليس تعميماً على أحد , فأنا ضد التعميم و أعلم أن من العرب "قلّة" هم على خير و يكفي أن رسولنا – صلى الله عليه و سلم – عربي ..
ولكن , مع الأسف الغالبية الساحقة هم كذلك , لا أدري لماذا , وقبل أن
يعترض أحدٌ على كلامي , أخرجوا إلى الشوارع العربية , و انظروا إلى
القذارة و الهمجية , اذهبوا إلى أي مرفق شئتم و انظروا إلى وضعه و احكموا
بأنفسكم قبل أن تحكموا عليَّ بالقسوة و المبالغة !
المعاناة
التي تعانيها الأمة العربية و الإسلامية اليوم , هي أكبر و أخطر مأساة
واجهتها في تاريخ الطويل , وواجب المفكرين إذا أرادوا حقاً وصف الدواء ,
أن يبادروا قبل في تشخيص الداء
و إذا نحن استهدينا لمواجهة الحقائق المرة , بنظرة صادقة مخلصة إلى واقع حالنا ماذا نرى ؟
أوتار لا تشفى كلومها , وأحقاد تستشري و تمتد
فتن يقف الحليم أمامها حيران , يستخف الزهو سفهاء القوم , فمن أقبلت عليه
الدنيا منهم بأغراضها و أعراضها و أمراضها , نهض فينا يعلك لجامه كالجواد
القارح , ينهال بمعولة , يدمر كيان الأمة , و يمزق شملها , و يدك عقيدتها
و يُحقّر تراثها , ويزور آمالها ويقوض مقوماتها .
قرن من التهتك و التفكك و العمالة و النذالة و الفساد و الشائعات و
المذهبيات و التشنج و الانهزام تنحت أثلة الأمة و تقتلع جذورها حتى أصبحت
غرضاً سهلاً و هدفاً هشاً للأعداء
فقدنا الحافز , فقدنا النخوة , فقدنا الأمل , فقدنا حتى القدرة على الإحساس بالذل و العار !
ووقفنا إزاء قدرنا عارين من أمضى أسلحتنا , فلا أيمان , ولا عِلم , ولا وحدة , و لا خطة , و لا قيادة ,
و انجلى النقع عن أسطورة النصر , وأسطورة الهزيمة , صنعنا نحن كلتيهما فبؤنا بخزي الدنيا و عار الآخرة
و نجري النظر اليوم في واقعنا الأسود , هل ترى هزتنا الكوارث ؟ هل وعظتنا
, هل أيقظتنا ؟ هل جمعت الأمة المهددة بالزوال أمرها , لتقييم أسباب
الهزيمة , و أبعاد المؤامرة , و مقتضيات النصر ؟
كلا , بل طاقات مهدورة , ونفوس ممرورة , و مجتمع كراهية
استؤنفت
الرواية عوداً على البدء , و اعتلى المسرح المهرجون , و غصّت الدنى بأشباه
الرجال من الانتهازيين و الانهزاميين و المتآمرين و المزايدين و المساومين
على قدر الأمة و شرفها و مصيرها .
تغيرت الصورة و بقي المضمون
وعدنا إلى حيث بدأنا , قصة فجيعة , رواتها حمقى !
ظلمة عمياء ليس لها من دون الله كاشفة
و نسينا قول الله تعالى قال تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } ( سورة هود / 110 )
و نسينا أيضاً قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم : "إن الناس إذا رأوا
المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب" (رواه ابن ماجه (4005) وصححه
الألباني (1564))
و أيضاً ما روته زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل عليها فزعاً يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها،
قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم
إذا كثر الخبث" (رواه البخاري (3346) ومسلم (2880))
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
سيكولوجية الأمة العربية اليوم , تشبه سيكولوجية النفس الإنسانية المريضة
بصدمة عنيفة أورثتها الإغماء و الدوار , فهي تنتظر الآتي , صدمة أخرى
عنيفة تنفضها نفضاً موجعاً , لتفيق من سباتها , و تصحو من رقادها , متجهة
إلى المستقبل برؤية جديدة لم تغبشها تهاويل التجهيل و التضليل .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
إن عار الأزمة الفكرية عندنا يوازي عار ( النكبة ) , بتأثيراته و
انعكاساته , و السلوك العربي أزمات نفسية و انفعالات آنية مزروعة , و لذا
فنحن نخوض بحار التبدد , نبحث عن هويتنا الضائعة وسط ركام الأضاليل ,
وفاتنا لما يحف بنا من أوهام الابتذال و التدني إن نملك الإجابة على سؤالٍ
واحد لا ثاني له ... كيف يمكننا مع هذه الفتن التي تسد علينا منافذ الأفق
أن نحول دون تدهور خصائص الإنسان العربي , و إنقاذه من تحوله إلى فردٍ
ضائع في قطيع !
الواقع ليس هو الحق دائماً لأن الباطل أيضاً واقع لا شك فيه
و غياب الإيمان مرادف لغياب المسؤولية و غياب الأخلاق