ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ..
يُقال : كلنا كالقمر له جانب مظلم .
هي
عبارة لطالما مرت بي وبكم ، لكن كما تمر السحب المُثقلة بالمطر على أرض
بور قاحلة لا يُفيدها المطر ولا حاملاته من الطائرات النفاثة التي هي
السحب ،،
غير أن الواحد منا حين يكون في حالة من حالات النفس
الخارجة عن حدود الطبيعة إلى ما وراءها من إدراك ينشء عنده نوع جديد من
المقاييس التي يتعامل بها مع ما يسمع أو يرى ،،
هناك فقط يدرك أمورا كثيرة لم يكن ليعلمها لولا أنه أخرج من نفسه لنفسه أسباب المعرفة وطرق الفهم والتدبر .
لعل هذه حالي وأنا أقرء هذه العبارة وإذ بي أذوب كالشهب في طياتها ،،
فالمرء منا لم يولد في هذه الحياة رسولا معصوما ولا ملكا مقربا كما لم يولد شيطانا رجيما ولا حجرا سقيما ،،
بل بين هذا وذاك في ملائكية محدودة وترابيةٍ مقيدة.يحمل من الحب والرحمة ما لا يسعه إلا قلب رؤوم ،،
ويواري في طيات نفس القلب بقايا الكره والقسوة ، وهذا مفهوم مطلق لما جاء في العبارة .
لكنني
سبحت عميقا في بحار المعاني التي أتت مستترة في أعماق هذه الكلمة وأرخيت
العنان للأفكار بأنسابت على مهل فأجريت بمدادها قلمي مقتبسا من نورها بعض
العبر .
فالقمر لا يملك من أمر ضيائه أو ظلامه شيء ، بل شأنه في كلتا الحالتين منوط بعنصر آخر هو من يحدد مقدار ما يأتي به من نور أو ظلام ،
فوحدها الشمس هي التي تحكم عليه وتعطيه منها قبسات نورانية لتنعكس عليه فيتراءى لنا وكأنه يضيء من نفسه ، وأن نوره ثابت في أصله ،
لكن بمجرد أن تشرق الشمس من منارتها حتى يتراجع هو وينسحب في هدوء حتى يضمحل في أفق السماء البعيد .
وما
حالنا إلا كحال القمر ، إذ يرتشف كل واحد منا ما يسقيه المجتمع من شراب ،
ونتلبس بما يجود بها علينا من كساء فنكون في كل أحوالنا مع المجتمع كالشمس
والقمر .
وليس هذا بغريب لكن الغريب أن يتراءا للقمر أنه كالشمس أو أنه يستطيع أن يعمل عمل الشمس أو أن يحٌل مكانها ،،
إن الإنسان مهما على صيته وذاعت سمعته وبلغت سلطته لن يكون سوى قمر أمام شمس المجتمع ،،
فإن ساير المجتمع في تطلعاته ، وسار على النهج القويم في تعاملاته ، نعم بضوء الشمس طول حياته ،،
أما إن خالف وبغى ، وعاند وطغى ، فل تلبث الشمس أن تسحب منه ما بقي من نورها لتدعه ينغمس في ظلماته ،،
فاحذر أيها الإنسان البسيط أن يغرك ضياء الشمس المنسكب عليك ، فتنسى قدرك أمام قدراته.
فــــــي أمــــــــان الله.